الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر ***
( كتاب الأضحية ) عقب به الذبائح لأنها كالمقدمة له إذ بها تعرف التضحية أي الذبح في أيام الأضحى وهي أفعولة وكان أصله أضحوية اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء وكسرت الحاء لثبات الياء ويجمع على أضاحي بتشديد الياء قال الأصمعي وفيها أربع لغات أضحية بضم الهمزة وبكسرها وضحية بفتح الضاد على وزن فعيلة ويجمع على ضحايا كهدية على هدايا وضحاة وجمعه أضحى كأرطاة وأرطى . وقال الفراء الأضحى يذكر ويؤنث وفي الشرع هي ذبح حيوان مخصوص بنية القربة في وقت مخصوص وهو يوم الأضحى وشرائطها الإسلام واليسار الذي يتعلق به صدقة الفطر فتجب على الأنثى وسببها الوقت وهو أيام النحر وركنها ذبح ما يجوز ذبحها وحكمها الخروج عن عهدة الواجب في الدنيا والوصول إلى الثواب في العقبى ( هي ) أي الأضحية ( واجبة وعن أبي يوسف سنة ) مؤكدة وهو قول الشافعي وأحمد ( وقيل هو ) أي كونها سنة ( قولهما ) يعني ذكر الطحاوي أنها واجبة عند الإمام سنة عندهما ووجه الوجوب قوله عليه الصلاة والسلام "من وجد سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا" هذا وعيد يلحق بترك الواجب ووجه السنة قوله صلى الله تعالى عليه وسلم "من أراد أن يضحي منكم شاة فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئا" إذ التعليق بالإدارة ينافي الوجوب لكن المراد من الإرادة القصد الذي هو ضد السهو لا التخيير لأنه بين الأداء والترك فكأنه صرح به وقال من قصد منهم أن يضحي وهذا لا يدل على نفي الوجوب فصار هذا نظير قوله عليه الصلاة والسلام "من أراد منكم الجمعة فليغتسل" لم يرد التخيير هناك فكذا هنا .
أورد الكراهية بعد الأضحية لأن عامة مسائل كل واحدة منهما لم تخل من أصل وفرع ترد فيه إلى الكراهية ألا يرى أن في وقت الأضحية من ليالي أيام النحر وفي التصرف في الأضحية بجز الصوف وحلب اللبن كما تقدم الكلام فيه وفي إقامة غيره مقامه كيف تحققت الكراهة فناسب ذكر الكراهية بعدها وهي ضد الإرادة والرضا في اللغة وإنما لقبه بها وفيه غير المكروه ; لأن بيان المكروه أهم لوجود الاحتراز عنه ولقبه القدوري بالحظر والإباحة وهو حسن ; لأن الحظر المنع والإباحة الإطلاق وفيه بيان ما أباحه الشرع وما منعه ولقبه بعضهم بالاستحسان ; لأن فيه بيان ما حسنه الشرع وقبحه وبعضهم بكتاب الزهد والورع ; لأن كثيرا من مسائله أطلقه الشرع والزهد والورع تركها . وفي الشرع ( المكروه ) كراهة تحريم ( إلى الحرام أقرب ) عند الشيخين لتعارض الأدلة فيه وتغليب جانب الحرمة فيه فيلزمه تركه وتكلموا في المكروه والصحيح ما قاله الشيخان كما في جواهر الفتاوى ( وعند محمد كل مكروه حرام ) ما لم يقم دليل على خلافه ( ولم يلفظ به ) أي لم يطلق عليه لفظ الحرام في كتبه ( لعدم ) الدليل ( القاطع ) بل كتب بالكراهة فتركه واجب كما في الحرام فالحرام ما منع عنه بدليل قطعي وتركه فرض كشرب الخمر والمكروه ما منع بظني وتركه واجب كأكل الضب فنسبة المكروه إلى الحرام كنسبة الواجب إلى الفرض قال ابن الساعاتي في بحث الحكم وإن كان طلبا لفعل ينتهض تركه في جميع وقته سببا لاستحقاق العقاب فوجوب أو لفعل ينتهض فعله خاصة للثواب فندب وخاصة يفيد أن الترك لا يترتب عليه شيء أو لترك يصير فعله سببا لاستحقاق العقاب فتحريم أو لترك يصير تركه خاصة للثواب فكراهة وإن لم يكن طلبا فإن كان تخييرا فإباحة وإلا فوضعي وقد علم بذلك حدودها واعلم أن الكراهة على قسمين : كراهة تحريم وكراهة تنزيه فمشايخنا تارة يقيدونها وتارة يطلقونها فأما المقيدة فلا كلام فيها والمطلقة فتجعل على التحريم .
أي في بيان أحوال الأكل ( منه ) أي بعض الأكل وكذا الشرب ( فرض وهو بقدر ما يندفع به الهلاك ) وفي تركه إلقاء النفس في التهلكة فإن هلك فقد عصى وبه يتمكن من أداء الفرائض ويؤجر على ذلك قال عليه الصلاة والسلام "إن الله تعالى ليؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها العبد إلى فيه" . ( و ) بعضه ( مندوب وهو ما زاد ) على ما يندفع به الهلاك ( ليتمكن من الصلاة قائما ويسهل عليه الصوم ) لأن الاشتغال بما يتقوى به على الطاعة طاعة وسئل أبو ذر عن أفضل الأعمال فقال الصلاة وأكل الخبز . ( و ) بعضه ( مباح ) أي لا أجر فيه ولا وزر ( وهو ما زاد ) منتهيا ( إلى الشبع لزيادة قوة البدن ) . وفي القهستاني لو أكل للسمن كره على ما قاله ابن مقاتل وعن أبي مطيع لا بأس بأكلها خبزا مكسورا في الماء البارد للسمن ولا شيء على من رزق بطنا عظيما خلقة له من غير أن يتعمد السمن ولو أكل ألوان الطعام ثم تقيأ فوجد نافعا فلا بأس به لأنه علاج . ( و ) بعضه ( حرام وهو الزائد عليه ) أي على الشبع ; لأنه إضاعة للمال وأمراض للنفس ولأنه تبذير وإسراف قال عليه الصلاة والسلام "لا خير في الشبع ولا في الجوع خير الأمور أوساطها" ( إلا لقصد التقوى على صوم الغد ) ; لأن فيه فائدة ( أو لئلا يستحي الضيف ) ; لأنه إذا أمسك والضيف لم يشبع ربما يستحي فلا يأكل حياء أو خجلا فلا بأس بأكله معه فوق الشبع لئلا يكون ممن أساء القرى وهو مذموم عقلا وشرعا
( ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء العبادة ) قال عليه الصلاة والسلام "إن نفسك مطيتك فارفق بها" وليس من الرفق أن تجيعها وتذيبها ولأن ترك العبادة لا يجوز فكذا ما يفضي إليه وأما تجويع النفس على وجه لا يعجز عن أداء العبادات فهو مباح كما في الاختيار .
قال محمد بن سماعة سمعت محمد بن حسن يقول طلب الكسب فريضة كما أن طلب العلم فريضة وهذا صحيح لما روى ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال "طلب الكسب فريضة على كل مسلم ومسلمة" وقال عليه الصلاة والسلام "طلب الكسب بعد صلاة المكتوبة أي الفريضة بعد الفريضة" ولأنه لا يتوسل إلى إقامة الفرض إلا به وكان فرضا ; لأنه لا يتمكن من أداء العبادات إلا بقوة بدنه وقوة بدنه بالقوت عادة وخلقة وتحصيل القوت بالكسب ولأنه يحتاج في الطهارة إلى آلة الاستقاء والآنية وفي الصلاة إلى ما يستر عورته وكل ذلك إنما يحصل عادة بالاكتساب , والرسل عليهم الصلاة والسلام كانوا يكتسبون وكذا الخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم ولا يلتفت إلى قول جماعة أنكروا ذلك وتمامه فيه إن شئت فليراجع . لما فرغ من مقدمات مسائل الكراهة ذكر تفصيل ما يحتاج إليه الإنسان قدم اللبس لكثرة الاحتياج إليه ( الكسوة منها فرض وهو ) أي ما هو فرض ( ما يستر العورة ويدفع ضرر الحر والبرد ) قال الله تعالى
( ويحرم النظر إلى العورة إلا عند الضرورة كالطبيب ) أي له النظر إلى موضع النظر ضرورة فيرخص له إحياء لحقوق الناس ودفعا لحاجتهم ( والخاتن والخافضة ) بالخاء والضاد المعجمة هي التي تختن النساء ( والقابلة والحاقن ) الذي يعمل الحقنة ( ولا يتجاوز ) كل واحد منهم ( قدر الضرورة ) فإنه يلزم أن يغضوا أبصارهم من غير موضع المرض والختان والحقنة . وفي التبيين وينبغي للطبيب أن يعلم امرأة إذا كان المريض امرأة إن أمكن ; لأن نظر الجنس إلى الجنس أخف وإن لم يمكن يستر كل عضو منها سوى موضع المرض ثم ينظر ويغض بصره عن غير ذلك الموضع ما استطاع ; لأن ما يثبت للضرورة يتقدر بقدرها . ( الاستبراء ) وهو طلب البراءة مطلقا وهنا طلب براءة الرحم ( من ملك أمة ) رقبة ويدا ( بشراء أو غيره ) كهبة ورجوع عنها أو خلع أو صلح أو كتابة أو عتق عبد أو صدقة أو وصية أو ميراث أو فسخ بيع بعد القبض أو دفع بجناية أو نحو ذلك ( يحرم عليه ) أي على المالك ( وطؤها و ) يحرم ( دواعيه ) أي دواعي الوطء كالمس والقبلة والنظر إلى الفرج لإفضائها إلى الوطء أو لاحتمال وقوعها في غير ملكه إذا ظهر الحبل وادعاء البائع هذا رد لمن قال لا يحرم الدواعي لأن الوطء إنما حرم لئلا يختلط الماء ويشتبه النسب وهذا معدوم في الدواعي ( حتى يستبرئ ) المالك ( بحيضة فيمن تحيض وبشهر في غيرها ) أي تستبرئ بشهر واحد في الصغيرة والآيسة والمنقطعة الحيض فإن الشهر قائم مقام الحيض في العدة فكذا في الاستبراء وإذا حاضت في أثنائه بطل الاستبراء بالأيام ; لأن القدرة على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل يبطل حكم البدل كالمعتدة بالشهور إذا حاضت . وفي الهداية والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام في سبايا أوطاس: "ألا لا توطئوا الحبالى حتى يضعن حملهن ولا الحيالى حتى يستبرئن بحيضة" وهذا يفيد وجوب الاستبراء بسبب إحداث الملك واليد لأنه هو الموجب في مورد النص , وهذا لأن الحكمة فيه التعرف عن براءة الرحم صيانة للمياه المحرمة عن الاختلاط والأنساب عن الاشتباه والولد عن الهلاك وذلك عند تحقق الشغل أو توهمه بماء محترم .
فصل في البيع أي في بيع العذرة وغيرهما ( ويكره بيع العذرة ) وهي رجيع الآدمي ( خالصة ) لأن العادة لم تجر بالانتفاع بها وإنما ينتفع بها برماد أو تراب غالب عليها بالإلقاء في الأرض فحينئذ يجوز بيعها وعن هذا قال ( وجاز ) بيعها ( لو مخلوطة ) برماد أو تراب ( في الصحيح ) . وفي التبيين والصحيح عن الإمام أن الانتفاع بالعذرة الخالصة جائز .
( ويكره الاحتكار في أقوات الآدميين ) كالبر ونحوه ( والبهائم ) كالشعير والتبن ( ببلد يضر بأهله ) لأنه تعلق به حق العامة قيد بقوله يضر بأهله ; لأنه لو كان المصر كبيرا لا يضر بأهله فليس بمحتكر لأنه حبس ملكه ولا ضرر فيه لغيره ( وعند أبي يوسف ) لا يختص بالأقوات بل يكره الاحتكار ( في كل ما يضر احتكاره بالعامة ولو ) وصلية كان ( ذهبا أو فضة أو ثوبا ) أو نحو ذلك ; لأنه اعتبر حقيقة الضرر إذ هو المؤثر في الكراهة وعند محمد لا احتكار في الثياب .
( ويكره التسعير ) لقوله عليه الصلاة والسلام "لا تسعروا فإن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق" ولأن الثمن حق العاقد فلا ينبغي له أن يتغرض لحقه ( إلا إذا تعدى أرباب الطعام في القيمة تعديا فاحشا ) كالضعف وعجز الحاكم عن صيانة حقوقهم إلا بالتسعير ( فلا بأس ) حينئذ ( به ) أي بالتسعير ( بمشورة أهل الخبرة ) أي أهل الرأي والبصارة ; لأن فيه صيانة حقوق المسلمين عن الضياع فإن باع بأكثر مما سعره أجازه القاضي قيل إذا خاف البائع أن يضربه الحاكم إن نقص من سعره لا يحل ما باعه لكونه من معنى المكره فالحيلة فيه أن يقول له المشتري يعني ما تحبه فحينئذ بأي شيء باع يحل كما في الاختيار وغيره لكن في الهداية وغيرها ومن باع منهم بما قدر الإمام صح ; لأنه غير مكره على البيع وإن لم يؤجر الرضي في التقدير فالمشتري إذا وجد المبيع ناقصا منه له أن يرجع على البائع بالنقصان ; لأن المقدر المعروف كالمشروط .
( تجوز المسابقة بالسهام والخيل والحمير والإبل والأقدام ) لقوله عليه الصلاة والسلام "لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" والمراد بالخف الإبل وبالنصل الرمي وبالحافر الفرس والبغل . وفي الحديث "سابق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وأبو بكر وعمر رضي الله عنهم فسبق رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم" ولأنه يحتاج إليه في الجهاد للكر والفر وكل ما هو من أسباب الجهاد فتعلمه مندوب إليه سعيا في إقامة هذه الفريضة وعن النبي عليه الصلاة والسلام "لا تحضر الملائكة شيئا من الملاهي سوى النضال والرهان" .
كتاب إحياء الموات مناسبة هذا الكتاب بكتاب الكراهية يجوز أن يكون من حيث إن مسائل هذا الكتاب ما يكره وما لا يكره ومن محاسنه التسبيب في الخصب في أقوات الأنام ومشروعيته بقوله عليه الصلاة والسلام "من أحيا أرضا ميتة فهي له" وشروطه ستذكر في أثناء الكلام وسببه تعلق الباء المقدر وحكمه تملك المحيي ما أحياه كما في العناية الموات لغة حيوان مات وسمي به أرض لا مالك لها ولا ينتفع بها تشبيها بالموات بالحيوان إذا مات وبطل الانتفاع به فالمراد من الإحياء عرفا التصرف والانتفاع بأن يبني فيها بناء أو يزرع فيها زرعا أو يغرس فيها شجرا أو نحو ذلك وشرعا ( هي ) أي الموات بفتح الميم وضمها على وزن فعال من الموت ( أرض لا ينتفع بها ) أي بالأرض لانقطاع مائها أصلا أو عارضا بحيث لا يرجى عوده أو لغلبة الماء عليها أو نحوهما مما يمنع الانتفاع مثل غلبة الرمل والحجر والشوك ومثل أن يكون الأرض مالحة أو غيرها ( عادية ) أي قديمة غير مملوكة لأحد من زمان بعيد ولذا نسبت إلى عاد ( أو مملوكة في الإسلام ) لكن ( ليس لها ) اليوم ( مالك معين مسلم أو ذمي ) سواء كان فيها آثار العمارة أو لا فإن حكمها كالموات حيث يتصرف فيها الإمام كما يتصرف في الموات لكن لو ظهر لها مالك يرد عليه ويضمن نقصانها إن نقصت بالزراعة وإلا فلا وعن محمد لا يحي ماله آثار العمارة ولا يؤخذ منه التراب كالقصور الخربة كما في القهستاني قيد بما ليس لها بمالك لأنها إذا كانت مملوكة لمسلم أو ذمي لم يكن مواتا وإن مضت عليه القرون وصارت خربة . وفي الذخيرة أن الأراضي التي انقرض أهلها كالموات وقيل كاللقطة ( وعند محمد إن ملكت في الإسلام لا تكون مواتا ) علم لها مالك معين أو لا بل تكون لجماعة المسلمين ( ويشترط عند أبي يوسف كونها ) أي الأرض ( بعيدة عن العامر ) أي البلد والقرية فإن العامر بمعنى المعمور لأن الظاهر أن ما يكون قريبا من القرية لا ينقطع احتياج أهلها إليه كرعي مواشيهم وطرح حصائدهم فلا يكون مواتا ( وحد البعيد ) أن يكون في مكان بحيث ( لو صيح من أقصاه ) أي لو وقف إنسان في أقصى العامر فصاح بأعلى صوته ( لا يسمع فيها ) فإنه موات وإن كان يسمع فليس بموات . وفي رواية عنه أن البعد قدر غلوة كما في الظهيرة ( وعند محمد ) يشترط ( أن لا ينتفع بها ) أي بالأرض ( أهل العامر ) من حيث الاحتطاب والاحتشاش إلى غير ذلك . ( ولو ) وصلية ( قريبة منه ) أي من العامر حتى لا يجوز إحياء ما ينتفع به أهل القرية وإن كان بعيدا ويجوز إحياء ما لا ينتفعون به وإن كان قريبا من العامر وبه قالت الأئمة الثلاثة وشمس الأئمة اعتمد قول أبي يوسف كما في التبيين . وفي القهستاني وبقول محمد يفتى كما في زكاة الكبرى وهو ظاهر الرواية كما في شرح الطحاوي والمفهوم من كلام صاحب التسهيل أن قول الإمام كقول أبي يوسف في اشتراطه البعد حيث قال اعتبر محمد عدم الارتفاق لا البعد خلافا لهما ( من أحياها ) أي الموات ( بإذن الإمام ) أو نائبه ( ولو ) وصلية ( ذميا ملكها ) أي ملك المحيي الموات ( وبلا إذنه ) أي بلا إذن الإمام أو نائبه ( لا ) يملكها عند الإمام ( خلافا لهما ) فإن عندهما يملكها بدون الإذن لأنها كانت مباحة ويده سبقت إليها بالخصوص فيملكه كما في الحطب والصيد وبه قالت الأئمة الثلاثة إلا عند مالك لو تشاحا أهل العامر يعتبر الإذن وإلا لا وللإمام أن الأرض مغنومة لاستيلاء المسلمين عليها فلم يكن لأحد أن يختص بدون إذن الإمام كسائر المغانم . وفي القهستاني وإن كان مستأمنا فلا يملكها أصلا بالاتفاق . وفي التبيين ولو تركها بعد الإحياء وزرعها غيره قيل الثاني أحق بها لأن الأول ملك استغلالها دون رقبتها والأصح أن الأول أحق بها لأنه ملك رقبتها بالإحياء فلا يخرج عن ملكه بالترك ولو أحيا أرضا ميتة ثم أحاط الأحياء بجوانبها الأربعة من أربعة نفر على التعاقب تعين طريق الأول في الأرض لرابعة في المروي عن محمد لأنه لما أحيا الجوانب الثلاثة تعين الجانب الرابع للاستطراد ويملك الذمي بالإحياء كالمسلم لأنهما لا يختلفان في سبب الملك انتهى . لما فرغ من إحياء الموات ذكر ما يتعلق من مسائل الشرب لأن إحياء الموات يحتاج إليه . وفي القهستاني الشرب بالكسر اسم المصدر فهو لغة الماء المشروب وإليه أشار بقوله ( هو ) أي الشرب ( النصيب ) قال الله تعالى
( وكري الأنهار العظام من بيت المال ) خبر كري الأنهار . وفي الهداية الأنهار ثلاثة نهر غير مملوك لأحد ولم يدخل ماؤه في المقاسم بعد أي قط كالفرات ونحوه ونهر مملوك دخل ماؤه تحت القسمة إلا أنه عام ونهر مملوك دخل ماؤه في القسمة وهو خاص والفاصل بينهما استحقاق الشفة به وعدمه والأول كريه على السلطان من بيت مال المسلمين لأن منفعة الكري لهم فتكون مؤنته عليهم ويصرف إليهم من مؤنة الخراج والجزية دون العشور والصدقات لأن الثاني للفقراء والأول للنوائب . ( وإن لم يكن فيه ) أي في بيت المال ( شيء فعلى العامة ) أي فالإمام يجبر الناس على كريه إحياء لمصلحة العام إذ هم لا يجتمعون ولا ينفقون عليها بأنفسهم ولا يقيمونها إن لم يجبرهم الإمام عليه وفي مثله قال عمر رضي الله تعالى عنه لو تركتم لبعتم أولادكم إلا أنه يخرج للكري من كان يطيقه وتجعل مؤنته على المياسير الذين لا يطيقونه بأنفسهم كما يفعله في تجهيز الجيوش فإنه يخرج من كان يطيق على القتال وتجعل مؤنته على الأغنياء .
ذكر الأشربة بعد الشرب لأنهما شعبتا عرق واحد لفظا ومعنى وقدم الشرب لمناسبته لإحياء الموات ومن محاسنه بيان حرمتها إذ لا شبهة في حسن تحريم ما يزيل العقل الذي هو ملاك معرفة الله تعالى وشكر إنعامه فإن قيل ما باله حل للأمم السالفة مع احتياجهم إلى ذلك قلت بأن السكر حرام في جميع الأديان وحرمة شرب القليل علينا كرامة لنا من الله تعالى لئلا نقع في المحظور ونحن مشهود لنا بالحرمة واعلم أن الأصل في الأشياء كلها سوى الفروج الإباحة قال الله تعالى
مناسبة كتاب الصيد لكتاب الأشربة من حيث إن كل واحد من الأشربة والصيد مما يورث السرور ومن حيث إن الصيد من الأطعمة ومناسبتها للأشربة غير خفية ثم كما أن منها ما هو حلال وحرام كذلك من الصيود ما هو حلال وحرام إلا أنه قدم الأشربة لحرمتها اعتناء بالاحتراز عنها ومحاسنها محاسن المكاسب ولأن فيه تحقيق منة الله تعالى بقوله
|